رغم تراجع القدرة الشرائية للمواطن اللبناني بشكل عام بعد الأزمة المالية، الّا انّ غالباً ما تبدو مظاهر الترف طاغية في الكثير من المناسبات والاحتفالات ومن خلال شراء السيارات الفخمة والحجوزات المكتملة للسفر الخارجي والحفلات والمطاعم. فمن أين له هذا؟ وما مصدر دخله؟
أشارت دراسة أجراها البنك الدولي، إلى أنّ نسبة الأفراد اللبنانيين في فئة الأثرياء انخفضت من 23% في عام 2012 إلى 12% في عام 2023، وتراجعت نسبة الأفراد المنتمين إلى الطبقة المتوسطة من 36% من إجمالي السكان اللبنانيين في عام 2012 إلى 23% في 2023، في حين ارتفعت نسبة المواطنين اللبنانيين في فئة الضعفاء من 31% في 2012 إلى 32% في 2023، وارتفعت نسبة الأشخاص الذين يصنّفهم البنك على أنّهم فقراء من 11% من اللبنانيين عام 2012 إلى 33% عام 2023.
تبدو هذه الأرقام منطقية جداً، نتيجة الأزمة المالية والانهيار الاقتصادي الذي شهدته البلاد اعتباراً من العام 2019، الّا انّه على ارض الواقع، يبدو جلياً انّ اللبناني تأقلم مع الواقع الجديد، ويعيش وكأنّ البلاد بألف خير، إذ انّ عدد الرحلات السياحية الى خارج لبنان أكثر من السياحة الداخلية، غالبية المطاعم «مفولة» في الحجوزات، الحفلات الفنية مكتملة الحجوزات، مظاهر الترف في المناسبات الخاصة والاعراس واعياد الميلاد ملفتة، حجوزات الشاليهات وبيوت الضيافة «مفولة»، وهناك طلب على شراء السيارات الجديدة... ما يدفع إلى السؤال التالي: ماذا يفعل اللبناني ليعيش؟ ومن أين يأتي بالمال، طالما كل القطاعات تئن؟ وهل كلها من اموال المغتربين؟
في السياق، أشارت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية»، انّ دولرة رواتب القطاع العام شكّلت عامل استقرار مادي للموظفين، علماً انّ رواتبهم زادت بنسبة تتراوح ما بين 30 الى 35%، أما العاملون في القطاع الخاص، فإنّ غالبيتهم يتقاضون رواتبهم بالدولار او بشكل جزئي، أو هم موظفو أمم متحدة وهؤلاء يُعدّون بالآلاف، او موظفو جمعيات اهلية ومدنية وngo... وهؤلاء يتقاضون رواتبهم بالدولار، ناهيك عن الأسر التي تردها الأموال من ذويها في الخارج، ويمكن ان يكون في الأسرة نفسها من يعمل في مؤسسات ngo، ومن يتلقّى راتباً بالدولار، وفي الوقت نفسه يتلقى مساعدة خارجية، من دون ان ننسى بعض الملايين التي أُعطيت للاساتذة وموظفي الادارة العامة، ناهيك عن المساعدات الدولارية التي يتلقّاها الجيش شهرياً...
من هو اللبناني الميسور؟
وتصنّف الدراسة، اللبناني «الميسور» هو الشخص الذي ينفق أكثر من 157.7 مليون ليرة شهرياً، بينما ينفق اللبناني في «الطبقة المتوسطة» ما بين 91.6 مليون ليرة و157.7 مليون ليرة شهرياً. وتنفق الفئات الضعيفة ما بين 53.4 مليون ليرة لبنانية و91.6 مليون ليرة لبنانية شهريًا، وينفق اللبناني الفقير ما يصل إلى 53.4 مليون ليرة لبنانية شهريًا على أساس سعر الصرف غير الرسمي للدولار الأميركي في كانون الثاني من العام 2023.
في السياق، أشارت المصادر الى انّه إذا اعتبرنا انّ إنفاق الغني هو 157 مليون ليرة شهرياً اي نحو 1500 دولار للفرد، فهذا يعني انّ الأسرة المكونة من ثلاثة افراد قد يصل دخلها الى 4500 دولارشهرياً او حتى 5000 دولار شهرياً. وفي عملية حسابية صغيرة استناداً الى الدراسة، فإنّ دخل الفرد في لبنان يصل الى 18 الف دولار سنوياً، وهو يعدّ من الأعلى في العالم نسبة إلى متوسطي الدخل او الاقل دخلاً، لأنّه وفق الامم المتحدة، فإنّ دخل الفرد المتوسط يتراوح ما بين 7 و 8 آلاف دولار إلى ما بين 12 و 13 الف دولار للفرد سنوياً. وللمقارنة، فقد سجّل متوسط دخل الفرد في لبنان نحو 10 آلاف دولار سنوياً ما بين الاعوام 2011 و 2015.
ورداً على سؤال عمّا اذا كانت القوة الشرائية بالدولار لا تزال نفسها مثل ما قبل الأزمة ام ارتفعت؟ تقول المصادر: «إنّ القوة الشرائية بالدولار ارتفعت بحدّة بعد الازمة خصوصاً في العامين 2021 و 2022، لكن عندما تقّدمت زيادات الاسعار بالليرة وفق مؤشر الاسعار، وعندما تمّت دولرة الاسعار، بدأت القوة الشرائية تتراجع، حتى وصلنا اليوم لنكون اقرب الى دولار موازٍ لدولار ما قبل العام 2019».
إلى ذلك، قدّرت الدراسة معدّل الفقر بين اللبنانيين في عكار 62%، يليها الشمال (52%)، والبقاع (26%)، وجبل لبنان (14%)، وبيروت (2%).
توزع الدخل ومعدل البطالة
من جهة أخرى، أظهر توزيع دخل أعلى 20% من الأسر اللبنانية أنّ الأجور شكّلت 49% من دخل هذه الأسر، يليه العمل الحر بنسبة 40% وتدفقات التحويلات بنسبة 10%.
علاوة على ذلك، أشار التقرير إلى أنّ معدل البطالة بين المواطنين اللبنانيين ظل مستقرًا على نطاق واسع عند 11% في الفترة 2022-2023، مقارنة بـ 11% في الفترة 2011-2012 و13% في الفترة 2018-2019، وسجّل معدل البطالة نسبة 9% بين الذكور اللبنانيين و16% بين الإناث اللبنانيات في الفترة 2022-2023.
وأشارت الدراسة، أنّ نسبة اللبنانيين العاملين في القطاع غير الرسمي ارتفعت من 23% في الفترة 2011-2012 إلى 34% تقريبًا في الفترة 2022-2023، حيث يعمل 56% من المواطنين اللبنانيين الفقراء في القطاع غير الرسمي. ولفتت إلى أنّ 20% من اللبنانيين الفقراء يعملون في الضيافة والنقل، و19% في الخدمة العامة والتعليم، و16% يعملون في التجارة، ونحو 8% يعملون في الزراعة، و6% يعملون في الصناعة، في حين أنّ 16% يعملون في قطاعات خدماتية أخرى.
وبحسب الدراسة، فإنّ 55% من الأسر اللبنانية “الفقيرة” تمتلك منزلاً، بينما 28% يمتلكون سيارة في الفترة 2022-2023. هذا ويحصل 55% من الأسر الفقيرة على الكهرباء من خلال الشبكات العامة، تليها 33% من الأسر التي تحصل على الكهرباء من خلال المولدات، و10% من الأسر التي تحصل على الكهرباء من خلال الألواح الشمسية، و7% تستخدم الشبكات الخاصة.